ما الذكاء؟
على الرغم من كثرة استخدام كلمة الذكاء بين الناس وتكرار وصفهم لبعضهم البعض بالذكاء أو حتى بالغباء، إلا أنك لو سألت الكثير منهم عن معنى محدد للذكاء أو حتى الغباء، فلن تجد إجابة شافية يطمئن قلبك لها. بل لعلك تلحظ أن كل واحد منهم يربط الذكاء بتصوره الخاص له والذي يتأثر بميوله الشخصية وببيئته المحيطة، فتجد على سبيل المثال أن الذكي عند البعض هو الحفِيظ الذي قلما ينسى، وقد تجد أن الذكي عند البعض هو المتفوق في الدراسة، وقد تجد أن الذكي عند البعض هو صاحب الردود المسكتة السريعة، وقد تجد غير ذلك من المعاني للذكاء، مثل أنه القدرة التي تمكّن الإنسان من التفكير بشكل صحيح من خلال استعمال أدوات التفكير المعروفة، كالاستنتاج والتعميم، وغيرها من العمليات المنطقية.
بعد تأمُلي فيما يدور حوله معنى الذكاء في كلام الناس وعدم اتفاقهم عليه، اتجهتُ إلى البحث عن معنى الذكاء في اللغة العربية وبعد بحث طويل وجدت أنه يدور على جملة من الصفات أبرزها القدرة على التفكير، والاستنتاج المنطقي، والتوهج العقلي، والألمعية، والطلاقة اللغوية والقدرة على خزن المعلومات واسترجاعها، والتوصل إليها. كما وجدت أن معنى الذكاء يترادف في الغالب مع سرعة الفهم وحسن التعبير عما بالنفس في أغلب كلام العرب. على الرغم من سروري بما وجدت إلا أني لاحظت أني أقف أمام معضلتين كبيرتين تجعلان الحليم حيران.
المعضلة الأولى هي: إنه وعلى الرغم من تحدد الصفات التي يدور حولها تعريف الذكاء في اللغة العربية مثل التفكير والتوهج العقلي والألمعية إلا أنه لا يوجد وصف دقيق يحدد من هو الألمعي أو المفكر أو المتوهج عقليًا ويفرقه عن غير الألمعي أو غير المتوقد ذهنيًا. وهذا يعيد إلى أصل المشكلة في تحديد من هو الشخص الذكي؟!.
أما المعضلة الثانية فهي أن الكثير من الناس لا يعرفون ما يحدد من هو الذكي من الصفات التي جاءت في التعريف اللغوي للذكاء الذي أوردته آنفًا ولا حتى يستخدمونه بل أنه يميلون إلى التصورات التي في أذهانهم عن الذكاء ولا يأبهون في الغالب لمعنى الذكاء في اللغة.
ومن هنا يتضح لك عزيزي المستخدم أنه لا يوجد معنى محدد للذكاء يتفق عليه كل الناس، وهذه الحقيقة من غياب التعريف الجامع المانع للذكاء في غاية الخطورة وقد تسببت في تدمير حياة كثير من الرجال والنساء بل والأطفال وستعرف كيف وقع ذلك فيما يلي.
من الإنسان الذكي؟
إن غياب اتفاق الناس على تعريف محدد للذكاء يصطلحون عليه، أدى إلى عدم وضوح معنى كلمة ذكي وضبابية كلمة غبي عند أغلب الناس، تلك الكلمتين اللتين نستخدمهما بكثرة في حياتنا خصوصًا في مجالي التربية والتعليم سواءً في البيوت أو المدارس. وكم من رجل أو امرأة صدقوا أنهم أغبياء لأن أحد الوالدين أو الأقرباء أو المدرسين كان يصفه باستمرار بأنه غبي أوبأنها غبية. والغريب أن القليل من الآباء والأمهات والمدرسين والمدرسات يركز على استخدام وصف ذكي للأسف.
البروفسور الغبي! ولاعب الكرة الذكي!
لو تأملت في وصف الناس لشخص أنه ذكي أو غبي، قد يتغيران ويختلفان بتغير واختلاف السياق أو الظروف التي تحيط بالأحداث، فقد تسمع أستاذ الرياضيات البحتة أو الفيزياء النظرية في جامعة عالمية مرموقة يقول لنفسه كم أنا غبي؟! لقد نسيت أن أملأ خزان السيارة بالوقود! وها أنا ذا أنتظر من يسعفني! كما أنك قد تسمع صرخة المعلق الرياضي على مباراة كرة قدم " يا الله! لعبة ذكية من لاعب ذكي" تعقيبًا على مهارة اللاعب في تنفيذ ما يسمى بجملة تكتيكية عالية المستوى. من الذكي الأستاذ الجامعي أو لاعب الكرة؟؟
هل أنت ذكي؟ هل أنت صاحب قدرات متميزة؟
إن الإجابة هي نعم فالله سبحانه وتعالى خلق كل إنسان ومنحه كل ما يحتاج ليقوم بدورة في الحياة، قال تعالى {سبح اسم ربك الأعلى } والحقيقة التي يجب على كل واحد منا أن يؤمن بها أن الذكاء من ناحية الحياة العملية يعتمد على الموقف والتصرف أكثر من أنه وصف دائم للإنسان وأن هناك جوانب مختلفة ومتعددة ومختلفة للذكاء والمقدرات الذاتية وهي تختلف من إنسان إلى آخر وأن كل واحد منا له حظ من الذكاء والتميز في المقدرات.
أهم جوانب الذكاء والمقدرات الذاتية المختلفة عند البشر:
الذكاء المنطقي الرياضي : وهو القدرة على فهم العلاقات المنطقية والتعامل مع الأرقام والحسابات.
الذكاء الاجتماعي التفاعلي: وهو القدرة على فهم الآخرين و التعامل معهم والتأثير فيهم.
الذكاء النغمي الموسيقي : وهو القدرة على تمييز الإيقاعات والأصوات والأنغام وتآلف الألحان.
القدرات اللغوية اللفظية : وهي القدرة على استخدام الكلمات بمهارة و القدرة على التعبير عن الأفكار بطلاقة.
القدرة على التصور : و يقصد به القدرة على الذهنية على إنشاء صور واضحة ومسبقة في المخيلة للأشياء والأفكار والأعمال والقدرة على التعامل مع الاتجاهات الجغرافية.
القدرات الجسدية الحركية : وهي البراعة في التحكم في أعضاء الجسم والمهارة في استخدامها.
القدرة على إدارة وضبط الذات: ويقصد بها مقدرة الإنسان على تحديد أهدافه ومعرفة نقاط قوته وضعفه وسياسية نفسه لتحقيق ما يريد.
قد يبرع الإنسان في جميع هذا الجوانب أو في بعضها ولكن لا بد من أن يكون لديه على الأقل جانب واجد يتميز فيه، صحيح أن من الناس من هو صاحب قدرات عقلية أو لغوية أكبر وهم من يطلق عليهم في الغالب أهم أذكياء إلا أن كل إنسان عنده على الأقل جانب من الذكاء والمقدرات الذاتية يميزه عن غيره.
سر نجاحك الخطير!
إن سر النجاح الذي يغيب على الكثير من الناس هو أن الإنسان السعيد هو الذي يعرف طاقاته وقدراته ونقاط قوته ثم يختار مجال دراسته أو عمله أو تجارته بحيث يتناسب مع طاقاته وقدراته ونقاط قوته وسيكون النجاح حليفه بإذن الله تعالى.
.
هل التفوق في الدراسة يضمن النجاح في الحياة؟
يرى الكثير من الناس أن التفوق الدراسي دليلاً أكيدًا على النجاح في الحياة خصوًصا من ناحية الثراء أو الوجاهة أو المناصب، ولذلك يحرصون على نيل أعلى التقديرات في الدراسة وحصد أكبر قدر ممكن من الشهادات سواءً لهم أنفسهم أو لأولادهم أو لمن يهمهم أمره. ولو أنك سألت أحدهم أو إحداهن، على أي أساس وصل إلى هذه القناعة؟، فقد تسمع منهم إجابات مختلفة تدور في الغالب على أن هذا ما يؤكده الواقع.
إن المثير حقًا أن الواقع لا يسلم بذلك على إطلاقه؛ فكم من متسرب من التعليم ترك المدرسة في المرحلة الثانوي أو أقل، نجح في تأسيس تجارة رائجة أو صناعة عظيمة وأصبح يعمل عنده عشرات من أصحاب المؤهلات العليا. وكم من حامل شهادة عليا غرق في الديون ولا يكاد يجد قوت يومه. وحتى فيما يخص النجاح في تحقيق الشهرة أو المكانة أنظر أين مكانة نجوم كرة القدم وما مدى شهرتهم حتى أن البعض منهم دخل الإعلام أو السياسة من أوسع أبوابها بسب نجوميته الرياضية على الرغم من أنه ليس صاحب شهادة عليا.
إن هذا الاعتقاد الذي يربط النجاح في الحياة بالتفوق الدراسي على شهرته بين الناس ليس بالقوي إذا تم اختباره على الواقع وقد يكون ضرره أكبر من نفعه وهذا ما سأتناول في السؤالين الهامين التاليين:
ما علاقة الذكاء والقدرات الذاتية بالسعادة والنجاح في الحياة؟
إن السعادة الحقيقة في الحياة أن يجد الإنسان نفسه في المكان المناسب وأن يعمل الأشياء التي يميل إليها ويستمتع بالقيام بها وتحقق ذلك يضمن له بإذن الله تحقيق النجاح بعد النجاح فالإنسان صاحب القدرات الجسدية الحركية العالية عندما يتجه إلى المجال الرياضي المناسب له، يبرز فيه ويتنقل من نجاح إلى آخر وكذلك صاحب القدرات اللغوية واللفظية العالية سيبدع وينجح لو أنه ذهب إلى المجالات المناسبة له مثل الكتابة أو الإعلام وهكذا.
ما علاقة الذكاء والقدرات الذاتية بالثراء؟
في دراسة طويلة على الأثرياء استمرت أكثر من 25 سنة عزا أكثر من 85% من الأثرياء السبب في ثراءهم إلى أنه يتاجرون ويستثمرون في مجالات يستمتع بالقيام بها ويعتبرون أنفسهم متفوقين فيها بل أنهم يعتبرون أعمالهم تلك هي هوايتهم، فستيف جوبز مؤسس شركة أبل للحاسب الآلي والذي كانت ولا تزال من أفضل الشركات المصنعة لبرامج التحرير والكتابة والخط كان شغوفًا بالخط والزخرفة وقد ترك الجامعة من أجل هوايته تلك فأصبح ثريًا بسبب استثماره فيها.
وهذا صاحب خلطة دجاج كنتاكي الشهيرة بدأها في بيته يعدها للأصدقاء كهواية ثم أصبحت صناعة رائجة تدر الكثير من النقود، وهذا أحد المنشدين العرب حصل على مبالغ محترمة من المال من أجل الحصول على أناشيده التي تصب في موضع تميزه في الذكاء السمعي النغمي، وهذا لاعب كرة القدم الفلاني الذي حصد عشرات الملايين من الدولارات بسب عمله في مجال تميزه في عالم القدرات الحركية الجسدية.
سر نجاحك وسرورك في الدنيا الذي قد يكون غائبًا عنك!
أي عذاب أشد على النفس من أن يدرس الإنسان أو يعمل أو يعيش في مجال لا يناسبه؟ تعب ونكد وشقاق وإخفاق تلو إخفاق. وانظر في نفسك وفيمن حولك، وسترى ذلك جليًا في وجه من ابتلاه الله بذلك الشقاء وستسمعه في أنينه وتشعر به في زفراته، نسأل الله السلامة والعافية .
إن سر النجاح والتميز في أي شيء يقوم به الإنسان، هو حبه لذلك الشيء، الأمر الذي يجعله ممتعًا وشيقًا، تمر فيه الساعات الطوال دون أن تشعر به، كما أنه يؤدي إلى التمكّن منه بل والإبداع فيه وبالتالي يقود إلى ارتفاع ثقتك بنفسك وزيادة استمتاعك، فتجدك نفسك تتنقل من نجاح إلى آخر وهذا هو بالضبط الذي يحدث لكثير من الناجحين والناجحات في شتى مجالات الحياة المختلفة من الفن والرياضة إلى الطب إلى التقنية.
والسعيد حقًا هو الذي يتذكر دائمًا أن الحياة ما هي إلا مدة يسيرها، يختبره الله فيها بالشر والخير، فيبتغي فيما آتاه الله الآخرة ولا ينسى نصيبه من الدنيا ويحسن كما أحسن الله إليه .