إيمان حجو .. رسالة شهادة في زمن الانهيار
أكانت كل تلك الرصاصات الآثمة كافية لحجب الضياء عن تلك العينين الصغيرتين .. أكانت كافية لتصنع إغماضتها الأخيرة حاملة تحت أهدابها صورا متقطعة متداخلة تروي حكاية الوجع الممتد و الجرح النازف أبدا.
أكانت قذائفهم قادرة على انتزاع عبق الروح المحلقة بين مواكب الخالدين ..أكانت قادرة على اغتيال تلك الابتسامة الساكنة في ملامح ذلك الوجه الموشى بالحنين .
أكانت كل بنادقهم قادرة على زرع الخوف في ضلوعها المبعثرة التي لم تكبر بعد لتحمل الزهور للشهداء الكبار و تزرع الحنون بين قبورهم المسكونة بالجلال.
في غزة تتعدد صور الموت و تختلف أشكاله غير أنها تتقاطع في مساحة صغيرة بحجم قلب إيمان المطرز بالشهادة.. المحمل بآهات وطن كبير يسكب حكاياه بين خبايا الضلوع التي هشمها الرصاص.
في غزة .. كما في غيرها من المدن المثخنة بالجراح يعجز الرصاص عن التفريق بين الملامح و المفردات و تصبح كل الوجوه هدفا لقنابل الموت.
و إيمان صورة لهذا الأنين المتصاعد في الآفاق زاحفا صوب المدائن الصامتة المتناثرة على امتداد الوطن من المحيط إلى الخليج .
إيمان.. حكاية يومية لا تنتهي فصولها .. أنشودة دائمة مضمخة بعطر الأرض و رحيق كرومها .. تحاول أن تقول لكل الغارقين في أحلامهم أن هذا الزمان صار سليبا محكوما بالضياع تنقلب فيه الموازين ليصبح الطفل قاتلا و الجلاد ضحية..
إيمان رسالة واضحة المعالم جلية الحروف كما هو ذلك الوجه الطاهر البريء..
إيمان رسالة لكل من جف في عروقه نبض الحياء أو بقي في ضميره ذرة من كرامة .. رسالة إيمان لا تحتاج إلى كلمات كثيرة .. تقول أننا سنبقى .. فلن تجف عروق الصبر فينا و لن نسافر من زماننا .. و حين ترتدي الأرض لثامها.. يصعد الشهداء تباعا و يصير الدم زيتا للقناديل